القيصر ما بين غزة و مصيدة التسلل الأوكراني
شارك المقال
القيصر ما بين غزة و مصيدة التسلل الأوكرانية
وائل عباس
مما لا يدع مجالا للشك أن الزعيم الروسي ” فلاديمير بوتين ” يتمتع بعقلية مخابراتية لها طابع خاص فريد ومتميز ؛ عقلية لها بعد نظر وعمق فى أستقراء الأحداث وأستكشاف بواطن وعوارض الأمور السياسية ؛ تلك العقلية تستحق فعلا التوقف والدراسة عن قرب .
فهى تتمتع بسمات :
اولها : هو الثبات فى المواقف الصعبة وتحت الظروف الشديدة ؛ والقدرة على أتخاذ القرارات في ظل الضغوط التى تتعرض لها الدول الكبرى وزعمائها الذين يعتلون سدة الحكم فيها ؛ فبرغم العقوبات والحصار الأقتصادى الذى فرضته الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين على روسيا قامت روسيا بالعديد من ردود الفعل الحاسمة لأسقاط تلك العقوبات وفك ذلك الحصار ؛ فقد حولت أقتصادها لأقتصاد حرب بمعنى الكلمة ؛ و من أبرز تلك الخطوات التى اتخذتها هو أستبدال تصدير النفط والغاز الروسى من دول الغرب والتى قامت بفرض تلك العقوبات وتحويل معظمه إلى الصين والهند ؛ وتضيق الخناق على أستيراد تلك الدول الأوروبية والتى لا غنى لها عن الغاز والنفط فى جل حياة شعوبها وصناعاتها المتعدده وخاصة في فصل الشتاء ؛ وذلك من خلال التعاون الوثيق بين المملكة العربية السعودية وروسيا وتناغمهما من خلال منظمة أوبك وذلك للتحكم في السوق النفطى العالمى .
ثانيا : كانت الشخصية المخابراتية للرئيس الروسي حاسمة ضد كل من حاول أن يتعاون مع أعدائه أو حتى التقارب معهم والخروج من الصف ؛ وتم ذلك بتصفية كل خائن أو موال لسياسة الغرب ويتضح هذا جليا في تصفية ” يڤغينى بريغوجين ” قائد ميليشيات ڤاغنر ؛ والمعارض الروسى الأبرز ” اليكسى نافالنى ” أو حتى الطيار الروسى الهارب إلى أسبانيا ؛ وذلك على سبيل المثال وليس الحصر .
ثالثا : يقينا فأن الرئيس الروسي بوتين يعلم تماما أن قوة الولايات المتحدة الأمريكية ليست عسكرية فقط ؛ وأنما ايضا مستمدة من قوة اقتصادها وهيمنة الدولار على سوق التعاملات العالمية ؛ لذا فقد قام بخطوات سريعة ومؤثرة بتوسعة منظمة البريكس وسعى سعيا حثيثا على ضم الكثير من الدول ذات السيادة والتأثير كالمملكة السعودية ومصر وإيران ؛ وقام بزيادة التبادل التجاري مع تلك الدول بالعملات المحلية ؛ وقام بتطبيق تلك المعاملات سريعا على أرض الواقع ؛ ليفرض نظاما عالميا جديدا لا يوجد مكان فيه لأحتكارية دولار الأمريكان .
رابعا : ذكاء الرئيس بوتين لم يتوقف عند ما تم سرده فحسب ولكن طبيعة الأمريكان وحلفائهم من الغرب الأوروبى عندما ورطوه فى الحرب الأوكرانية ؛ وحاولوا أظهاره أمام العالم أجمع أن هذا الرئيس ليس إلا شيطان متجسد داخل أروقة الكرملين ؛ ذلك المعتدى على جيرانه المسالمين من أبناء الشعب الأوكراني الودود ؛ وتبنت الآلة الأعلامية لهم ذلك المشهد وحاولت تجسيده فى نفوس شعوب العالم ؛ فكان رده أشبه بملحمة وسيمفونية للحروب المخابراتية على مر العصور ؛ فقد قام سريعا وبالتنسيق مع حلفائه من الدول التى تناصب الولايات المتحدة العداء وفى مقدمتها الصين وبصفة خاصة الجمهورية الإيرانية ؛ قاموا بتحويل أنظار العالم من الغرب حيث الحرب الأوكرانية إلى الشرق الأوسط ؛ لينقلوا بذلك مسرح الأحداث العالمى من هناك إلى هنا حيث الشرق الأوسط فلسطين المحتلة تحديدا ؛ فقد قامت إيران بأدارة ذلك المشهد الذى نتابعه يوميا على شاشات التلفاز والذى نتج عنه إبادة سكان غزة وسقوط ما يزيد عن ٣٠ الف قتيل ؛ وذلك بالتنسيق ما بين إيران وحلفائها من قادة حركة حماس والتى بدات هجوم ساحق فى السابع من أكتوبر على إسرائيل بأوامر إيرانية وتنسيق مخابراتى روسى ؛ زلزلت فيه إسرائيل وشعبها بالكامل ودمرت المسالمين من سكان غزة لصالح مصالحهم الشخصية وولائاتهم إلى النظام الإيراني .
وتناغما مع الأوامر الإيرانية فقد قام حزب الله اللبناني بتشتيت الإسرائيليين من الشمال ؛ كذلك قام الحوثيون بضرب السفن المتجهة عبر مضيق باب المندب ؛ وتلاعبوا بإسرائيل وحلفائها وفى مقدمتهم الولايات المتحدة الأمريكية .
وبغباء نتنياهو فقد قام بتأدية التطلعات الروسية على خير وجه ؛ وهى تشتيت أنظار العالم عن الحرب الروسية إلى تلك المجزرة التي أرتكبها ضد الشعب الفلسطيني .
و هنا ظهر الدعم الأعمى الذى تقوم به الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين لإسرائيل دون مراعاة حقوق الإنسان التى يتزعمونها ليل نهار ؛ وظهر الوجه القبيح للقادة الغربيين والبيت الأبيض وسكانه وموظفيه ؛ من خلال دعم جزارى مزابح غزة ؛ فأكد بذلك بوتين قدرته على انتزاع ريادة العالم من أيدى الولايات المتحدة الأمريكية والتى يقودها رئيس أصابه الوهن والكبر ودهسته الشيخوخة ومزقه قطار العمر السريع .
وبذلك فقد أعلن سيد الكرملين من خلال تحركاته على الصعيد العسكري والأقتصادى والسياسى عن مولد نظام عالمى جديد متعدد الأقطاب ؛ فقد فيه زعماء الغرب مصداقيتهم أمام شعوبهم من خلال دعمهم اللامنطقى لأوكرانيا بالأضافة إلى أستنزافهم اقتصاديا وعسكريا ؛ وجعل اسقاطهم بات قريبا بأيدى شعوبهم .
إرسال التعليق